تصنف جهة الداخلة وادي الذهب منطقة فلاحية بإمتياز، وذلك لما تتوفر عليه من مؤهلات طبيعية قل نظيرها في هذا الوقت ،فلك أن تتحدث عن تربة ذات جودة عالية ولازالت بكر،وجوء ملائم على طول السنة ،وفرشة مائية غير متجددة ولكنها حسب بعض الدراسات غنية، وتستند على شواطئ بحرية عريضة وواسعة كبديل يلجأ إليه عن طريق تقنية تصفية مياه البحر كل ما دعت الضرورة،زيادة على توفرها كذلك على يد عاملة مؤهلة ،والأهم من كل ذلك حصاد في الوقت الذي لازال الأخرون يفلحون ،الشئ الذي جعل لعاب المستثمرين المحليين على قلتهم والوطنيين والدوليين على كثرتهم يسيل ويزيد.
وبدأت الإستثمارات بالفعل في هذا القطاع الواعد بالجهة في السنوات الأخيرة ولازالت تتواصل وتتوسع،وقد أثبتت بالفعل ماذهبنا إليه من ظروف جاذبة ومشجعة للإستثمار فيه ،وكانت النتائج دائما حصادا وفيرا وأرباحا كثيرة ،جعلت الجهة مقصدا وملاذا للمستثمرين في هذا القطاع الحيوي والأساسي فكيف لا وهو مصدر سلة الغذاء التي هي أولى الأولويات والضروريات.
ولايمكن الحديث عن القطاع دون أن نذكر التدخلات التي قامت بها الدولة عبر وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات عن طريق برامج ومخططات وإستراتجيات طموحة، سوقت من خلالها هذه المؤهلات وأهلتها وثمنتها ،وشجعت الإستثمار من خلال الإعانات وتبسيط المساطر الإدارية والمالية ،ولازالت تواكبها وتؤطرها .
وتبقى الإشارة إلى أن الوعاء العقاري الفلاحي بالجهة لم يحظى بتلك الأهمية التي كان يجب أن يحظى بها ،وبقي طي الكتمان كل هذه السنوات ،هذا مع أن هذا الحراك حول الملف القانوني لهذه الأراضي والتنازع بين إدارة أملاك الدولة والملاك الأصليين لم يكن وليد اليوم وإن ظل خافتا ولم يصل قبل هذا لأبواب المحاكم ،بل كانت تسوده قوانين عرفية محلية دأبت الإدارة والملاك والمستثمرين على الإتفاق عليها وتمريرها وتنفيذها دون ضجيج ،وقد حصل هذا الإتفاق الضمني والغير معلن والمتستر عليه أحيانا ، بين كل هذه الأطراف المتدخلة في هذا الملف، وبمباركة الإدارة الوصية ،ومرت الأمور بشكل سلس ،وخلناها ستستمر مادامت الفائدة تعم الجميع .
لأن الهدف الأسمى من جلب الإستمارات لأي منطقة أوجهة هو مصلحة أبناءها أولا وقبل أي شئ أخر، وتنمية الجهة ثانيا وخلق مناخ محفز للمستثمرين، وإستفادة صناديق الإدارات التي لها تقاطعات مع هكذا مشاريع ،وليس قطعا من أجل كحل عيون تلك الديناصورات الغير مرحبا بها، والتي تأتي على هئية مستثمرين لتأكل الأخضر واليابس ،ولاتبقي ولاتذر للأرض ولا لأهلها، وتختفي بعد أن ييبس الزرع ويجف الضرع.
ويمكن تلخيص مسار الإتفاق الضمني الذي تحدثنا عنه والذي لازال معمول به إلى حد كتابة هذه السطور ،في تقدم المستثمر الفلاحي بملف إداري متكامل للمركز الجهوي للإستثمار ،الذي يحيله بدوره على مصالح وكالة التنمية الفلاحية، والتي تحيله بعد الدراسة والموافقة المبدئية على إدارة الأملاك المخزنية ووكالة الحوض المائي الأولى لتوقيع عقد كراء والثانية للحصول على ترخيص الحفر ،هذا بعد التفاهم والإتفاق بين المستثمر مع المالك الأصلي للأرض قبل مباشرة كل هذه الإجراءات ،وتمر الأمور في الغالب في أحسن الظروف وبدون أية مضايقات ،ويخرج الجميع في النهاية مقتنعا بقاعدة رابح رابح (ويبقى مريضنا ماعندو باس) .
هذا مع أن المطالبات بالتعجيل بتسوية الملف القانوني لهذه الأراضي ظل موضوع رسائل وتوصيات فرادى وجماعات وفي إطار جمعيات منظمة ،وحتى في إطار توصيات من المجالس المنتخبة للجهات المعنية، ووصل حده الأقصى بالمطالبة ذات مرة بالتحكيم الملكي في هذا الملف،ولكن ظل الملف القانوني لهذه الأراضي حبيس الأدراج، فلاهو طرح موضوع دراسة كحالة خاصة وأستخرجت فيه قوانين تنظيمية ،ولاهو كيف مع القوانين المنظمة لأراضي الجموع ،ولاهو أسقط أو قيس على القوانين المنظمة للأراضي السلالية .
والغريب في الأمر أننا تفاجأنا مؤخرا بلجوء إدارة أملاك الدولة لأول مرة لجر بعض مقدمي التعرضات للقضاء في هذا الوقت الذي نحن مقبلين فيه على المشروع الملكي الكبير المتضمن في البرنامج التنموي للأقاليم الجنوبيةب 5000هكتار عبر تقنية تصفية مياه البحر،والذي سيجعل من الداخلة قطبا فلاحيا منافسا، وظننا أنها ستكون لها من الحنكة والبصيرة ما تدعم هذا التوجه لإنفتاح القطاع على المزيد من الإستثمارات التي تعود بالنفع على الجميع ،هذا وبدون سابق إنذار ومن دون تسجيل أي خرق يذكر في الإتفاق الذي ظل هو المرجع من طرف الملاك الأصليين.
ولكن ولرب ضارة نافعة كما يقال،فبعد أن إختار القائمون على إدارة الأملاك المخزنية وبمباركة إدارة المحافظة العقارية اللجوء للقضاء، فليشمر كل طرف مدعي عن سواعده، ويقدم مالديه من قرائن وحجج واهية تثبت إدعاءاته الباطلة بحقه في هذه الأرض(البينة على من إدعى) حتى تتم تعريتها ويطوى الملف نهائيا،في مقابل ملاكها التي توارثتها أجيال عن أجيال ،ولنا في القضاء الثقة الكاملة ،وهو الكفيل برد الحقوق إلى أهلها ،ولاشك أن له الكلمة الفصل في ذلك، ليؤسس لإطار قانوني يحمي من خلاله حق المنتفعين والمستغلين للأراضي الفلاحية ،ويصفد المترامين على حقوقهم بدون وجه حق.
وهي فرصة ندعو من خلالها ممثلي الجهة في قبة البرلمان للترافع عن ملف الأراضي الفلاحية المتعارف عليها محليا ب لگرار ،لإنتزاع قانون تنظيمي يؤطرها ويخرجها من دائرة التنازع مع من يدعي حق لا ناقة له فيه ولاجمل.
وأملنا كبير في شخص السيد والي الجهة الذي لمسنا فيه الكثير من الحكمة والتريث والتطلع لخدمة الجهة وساكنتها من أجل إنصاف ملاك ومستغلي الأراضي الفلاحية ،وله واسع النظر في إتخاذ مايراه مناسبا ونستحسنه حلا وديا بينهم وإدارة الأملاك، حتى لاتتعطل حقوق الملاك وتعطل معهم حقوق المستثمرين ،لما تتطلبه مسطرة التقاضي من وقت لدراسة حيثيات الملفات القانونية والإحاطة بها شكلا ومضمونا والوقت الذي يأخذه ترافع الأطراف ،ولما قد يترتب عن ذلك من مراحل التقاضي سيكون بلاشك على حساب تعثر الإستثمار بالجهة ،في إنتظار حل جذري لهذا الإشكال القانوني.
و حتى كما يقال (ما أيموت لعجل أو لاتيبس التاديت).