كل منا يستوطنه حب أشياء في هذه الحياة، والأشياء هذه نفسها تتفاضل في الحب، ويبدأ هذا الحب ينمو ويتطور مع الإنسان في مراحل حياته كلها ،حتى وهو يكبر ويزداد عمرا ونموا وفكرا ووزنا ،تبدأ هذه الأشياء بدورها تلازمه ومنها من يمرض ويذبل، ومنها من يموت، ومنها من يبقى صامدا رغم كل الظروف، ويظهر كل ما أتيحت له فرصة الظهور، وكل ما تذكرته أو طلبته للحضور ،ومع ذلك ماليس كل مايطلب المرء أو يتمناه يكون متاح في حياة الناس هذه، لأن المطبات كما تعلمون كثيرة والعوائق أكثر والعراقيل هي الأخرى تكبر وتتمدد، فالدنيا كما يقال قسمة ونصيب .،وهنا أستحضر قول الشاعر المتنبي الذي يقول
ماكل مايتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لاتشتهي السفن
و إن كان من مدخل لما أريد الإشارة إليه بعجالة حتى أرى إن كان من منكم يشاطرني الرأي، هو أنه من جملة ما أحب من كل الأشياء الكتابة ،نعم و أطمح أن أكون كاتبا ولكن كما يقال العين طويلة واليد قصيرة ،الطموح جامح و كبير ويزيد ،ولكن الجعبة لاتحوي الكثير من وقود الكتابة ،وأنا لازلت في مرحلة الحبو في عالمها، ولم أبلغ بعد منها الفطام ،والكتاب الكبار كثر ويضايقنا الإحراج من الكتابة تخوفا من أن تمر أمام أعينهم بعضا من ما نددردش به ،وهم من رأينا كتاباتهم المتناهية في علو الكعب والطويلة القامة والتي نبقى تحتها كالأقزام، ومع ذلك لن نفتر من محاولة الدردشة هنا وهناك، والغوص في هذا البحر الهائج والذي تتناسل حيتانه بدرجة تخالها تبيض بالوخز ،وكل كاتب ينسيك الأخر وكل كتابة تمحو ذاكرتك من التي سبقتها وكأنك لم تقرأ أجمل منها من قبل ،ولهذا كثيرا ما نتردد نحن قراء هؤلاء الكتاب في التعليق فبالأحرى الكتابة ،ونظل مختفين في الوراء علنا نحافظ على مزاجهم الذي قد يتغير عندما نكتب ،لأنهم وهذا من حقهم لايريدو أن يفسد عليهم المبتدئين في اللعبة بالدخول في دائرة وحدود ملعبهم وهم في مرحلة تباريهم على الظفر بالكأس،وبالمقابل فليس عيب أن لاتكتب ولكن العيب في أن تكتب ولاتكون على الأقل في الحد الأدنى من المستوى المطلوب ،وهنا نستحضر قول لمغني
حد أسكت عن بدع الموزون
ماهي شين يغير الشين
حد أيكولو ماهو موزون
وال موزون اولاهو زين.
وبقيت أنا ومن معي في الصف مشدودين بين أن نكتب ولو غير الموزون وحتى أل ماهو زين، ونلبي رغباتنا ونحقق أمانينا ، أو نترك مالقيصر لقيصر، وننزوي لنبقى في دائرتنا الضيقة التي هي دائرة القراءة، لنقرأ دون أن نحرك ساكنا ونكبت أمنياتنا في الكتابة كسابقاتها من أماني ظلت عالقة في مواضيع أخرى تتكدس في زكيبة المهملات. بالرغم من إلحاح قرائينا مع قلتهم علينا بالكتابة التي يرونها تماما كما نرى نحن كتابات كتابنا ،وأنا أكتب هذه السطور المتواضعة تبادر لذهني حل وسط يقضي بمسايرة الكتابة مع التحفظ الشديد على أن لاتصل لعلية الكتاب فيفضح أمرنا ،وبذلك نكون قد حققنا بعضا من وفائينا لأنفسنا ولقرائينا
يقول تعالى (وفوق كل ذي علم عليم ).
متعنا الله بكتابات من حباهم الله ملكة الكتابة وناصية اللغة وبارك الله في علمهم ،ومتع من يتمتع بكتاباتنا وزادنا الله وأياهم من علمه وفضله ونختم
بقوله تعالى
(وقل ربي زدني علما).