
آنتشرت العبارة بين الأوساط المغاربية وكان وقعها مؤلماً على كل مغربي وعربي ومسلم وإنسان يشهد على آحتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، كما كانت لسابقتها “كلنا إسرائيليون” الوقع الأكبر، وما هذه الخرجات التي تلفَّظ بها إعلاميون بارزين في الساحة، وسياسيون إلا دليلاً منقولا عبر أثير منصات التواصل الإجتماعي على حجم التطبيع الذي بلغه جزء كبير من النخبة المغربية،وصورة من صور التوافق العاطفي فما نطقت ألسنتهم إلا بما يجول بلبهم .
هذه الحرب وصورها جعلت المجتمع الدولي ينتفض بين الفينة والآخرى جراء ما يراه منافي للإنسانية، مسيرات مليونية جابت الدول الأوروبية والعربية فكانت هذه الأخيرة في صراع على جبهتين معركة الشعب مع الحكومة التي تزاول نشاطها التطبيعي مع كيان غاصب، ومعركة الشعب مع مقاطعة المنتجات المادية والمعنوية التي من بينها سموم الصحافة والإعلام التي تثبط من عزيمة الشعب في المقاطعة وفي قول كلمة الحق بما يحدث في قطاع غزة والمشاهد المأساوية لإخوتنا هناك.
لم يتوانى بعض منتسبي الجسم الإعلامي في إنتاج موجة من الدعايات التي أريد بها باطل محملة بسموم من قبيل “تازة قبل غزة” وما هي الا عبارة خرجت من حنجرة غاضب ومتهكم من تيارات سياسية لها إيديولوجية إسلامية، والحق أن تضامن الشعب المغربي لم يكن له مثيل رغم ما يعتريه من تأثيث لأحزاب سياسية ومحاولة الركمجة على القضية الفلسطينية لإستدراج العامة للحزب، لكن مما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية وما يقع في غزة من مشاهد مؤلمة أسقطت أوراق التوت على أبناء النور الغاصبين لحق الشعب الفلسطيني في وطنه وأرضه، فسقطت معه أنظمة عربية وإعلاميين سقطة أخلاقية لن يتناساها كل متتبع للقضية الفلسطينية.
ماكان جديراً بصاحب التصريح التجريح بثكالى غزة في مقالته، وماكان جديراً به أن يتبوأ مقعده مع الخونة وديوثي الأمة، وماكان جديراً به ولو من باب “البوز” أن يستفز جموع المسلمين والعرب بخطاب مقيت يظهر صهيونيته الفكرية ولست أدري هل كان بكامل قواه العقلية أو تحت نشوة “المال” في ربط المقارنة بين تازة وغزة، وفي آعتقادي أن من خان غزة اليوم غداً لناظره قريب في خيانة تازة والحبل على الجرار .. غزة لها رب يحميها، ودواليب السياسة دول ودولة الصهيونية الى زوال ولو بعد حين.
وجب أن يعي القاصي والداني أن القضية الفلسطينية دعمها ركيزة من ركائز الإنسانية، وواجب الدفاع عنها واجب أخلاقي وإنساني وديني، ووجب أن يعي كل مغرض له خطاب يريد به السباحة خارج السرب أنه يحمل من الأفكار الشيطانية ما يجعله رويداً رويداً يتبنى الطرح الصهيوني حسبه أنه بذلك محلل أو إعلامي -نادر- له نظرة، وما ذلك إلا مراهقة في تفكيك بنية مفاهيمية للمجتمع ومحاولة الركمجة في سياق “خالف تعرف” وما خالف بمبدأ بل بسفاهة، وما خرج من واجبه الأخلاقي إلا وكان مارقاً مع توالي الأيام سيلفضه المجتمع الى مزبلة الوطن ومرحاض التاريخ.
ماكان لحزب سياسي أن يفعل فعلته ويستفز الجموع لإنتاج خطاب لا يرقى لمستوى القراءة ولا الاستماع، ماكان لضوضاء السياسة الداخلية أن تؤثر عل حس العروبة فينا، وتتلاشى قيم النخوة في نصرة المستضعف والنهي عن كل ما من شأنه أن يفقدنا إنسانيتنا ومبادئنا وقيم عروبتنا، ماكان لأي نقاش مهما بلغت حدته أن نخرج به عن المألوف ونصادق العدو ونلتف بحبال شيطنته وندافع عنه لا لشيء سوى أن لنا موقف معادي لحزب يحمل إيديولوجية مخالفة، ما هكذا تورد الآبل ولم تكن يوما تورد لمهالك الخسة ودروب النذالة ومستنقع الخيانة، فالتاريخ ليس نائم وكاتبه إن رُشي في مرحلة ما، فهناك كتاب بالحق تصدح وبالحرف تلطم وبالحقيقة تجابه وبالحجة تضحد.
فما رأيت من لسان الحال لهؤلاء الرعاع من ممتهني الإعلام المارقين إلا ما أتى به المتنبي :
مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً
أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ
أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً
أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ…
