إنخرط المغرب مبكرا في مشروع الجهوية وتدرج في تنزيلها وترسيخها وتجسيدها من خلال ترسانة قانونية كبيرة تنظمها بقوانين محكمة، وزاد في صلاحياتها بتدرج ووسع في إختصاصاتها عبر مراحل وزاد في مواردها المالية وكان أساس ذلك وتوجه الدولة فيه المحوري هو التقليص شئيا فشئيا من التبعية للمركز، وترسيخ أسس المركزية ألا إدارية وتخفيف الثقل على المركز، وأخذت الدولة في ذلك الكثير من التدابير الإجرائية الفعالة التي يتطلبها مثل هكذا نهج ومسار يحسن من رصيد الديمقراطية التشاركية وإرساء نظم تسيير يعتمد على العدالة المجالية والترابية في التسيير.
وبلغت ذروة هذه الإصلاحات الجوهرية وتعززت بظهور مفهوم أو مصطلح الجهوية المتقدمة ،والتقسيم الجهوي المعمول به حاليا وكان الهدف من كل ذلك طبعا هو النهوض بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية المندمجة والمستدامة، وإرساء نظم العدالة المجالية ،واحداث قدر من التوازن التنموي والإقتصادي بين الجهات ،وتحفيز التنمية المحلية وتحريرها من عقال المركزية. وبالفعل عايشنا كأبناء هذه الجهة هذه الإصلاحات الجذرية المهمة التي أحدثت تقطيع إداري جديد يلامس إنتظارات كل الجهات، وبدأنا نلمس نتائجها من خلال الموارد المالية المعتبرة التي بدأت تضخ في الصناديق المالية للمؤسسات الجهوية وإحداث مصالح خارجية تمثل كل القطاعات الوزارية والمؤسسات الوطنية، ولكن بالرغم من ما أحدثته من تغيير إيجابي في البنية الإدارية والمالية بالجهة بقيت في نظرنا عرجاء ،لأن كل تلك الإصلاحات كانت تتطلب بالموازات معها إشراك أبناء الجهة في هذا التنزيل وتسيير شوؤنها الإدارية والمالية المحلية والجهوية حتى لايفرغ المصطلح من محتواه والمفهوم الحقيقي الذي أحدث من أجله.
لأننا في النهاية لايمكن أن نبصم على نجاح هذا المشروع الكبير الذي هو مشروع الجهوية المتقدمة دون أن نرى أن من يجسده على أرض الواقع أو على الأقل من يشارك مشاركة حقيقية وازنة وفعالة في ذلك هم أبناء الجهة ،وأن لاتبقى مشاركتهم وتمثيليتهم حبيسة التمثيلية الإنتخابية. فلك أن تتصور أن جهة الداخلة وادي الذهب بالرغم من كل مامر من وقت على مشروع الجهوية بداية بمراحلها الجنينية مرورا بكل تلك القوانين والإجراءات التنظيمية التي تم تنزيلها وكل تلك الموارد المالية التي تم ضخها وصولا لمشروع الجهوية المتقدمة التي أراد لجهتنا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أن تكون قاطرة لها، لازالت تدار جل مصالحها الخارجية والإدارية المحلية والجهوية من أطر وافدين من خارج الجهة ،هذا مع أن الخريجين من دكاترة وأساتذة ومهندسين وباحثين وأصحاب الشواهد العليا من مختلف مشارب العلم والمعرفة ومختلف الجامعات الوطنية والدولية بدأت تكتظ بهم رفوف كل دور هذه الجهة ومساكنها، ولايمكن أن يزايد على أبنائيها أحد في ذلك.
فلك أن تتصور جهة بحجم جهتنا من حيث الإمتداد المجالي ومن حيث الموارد المالية ومن حيث الخصوصية لازال عدد أبنائيها في مواقع مسوؤلية المصالح الخارجية لايتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة،وللأمانة فأداء هذه النخبة من أبناء الجهة في كل مواقع مسؤولياتهم كثيرا ماكان متميزا وله إنعكاسات إيجابية على مردودية قطاعاتهم على الجهة، ولعل ذلك هو من الأسباب الرئيسية في هذا التعثر والذي لازالت الجهة تتخبط فيه وتدفع ثمن تأخرها عن غيرها من الجهات الأخرى في تنفيذ المشاريع التنموية ، فكما يقال “أهل مكة أدرى بشعابها “فهم الأدرى والأقدر على إبراز خصائيصها ومميزاتها التي هي أهداف مرسومة في مشروع الجهوية أصلا . فهل لنا من معين على تغيير هذه الوضعية الغير مرضية والتي تجعلنا نحس بهذا الغبن الغير مبرر لأبناء الجهة في إشراكهم في تدبير وتسيير شوؤن جهتهم .
أما أن الأوان بعد كل هذه السنوات من تجربة الجهوية أن يفسح المجال لأبنائيها بعد أن نهلوا وتأهلوا وراكموا التجارب تلو التجارب في التدبير والتكوين ؟ أسئيلة تبقى مطروحة و مشروعة وتطرح بإلحاح الأن وأكثر من أي وقت مضى لما تشهده الجهة من مشاريع وأوراش ملكية كبيرة لأبناء الجهة من أطر وحاملي شواهد عليا و جامعية لهم الرغبة في المساهمة في تنمية جهتهم عبر تسيير مرافقها الإدارية المحلية والجهوية ،علهم بعد أن يتخطو هذه العتبة التي تقف حجر عثر أمام مشاركتهم الفعالة في تدبير شوؤن جهتهم،ويثبتوا جدارتهم وإستحقاقهم لهذه المسوؤليات، ليتجاوزوا بمطالبهم ضرورة الحصول على حصتهم من مناصب المسؤوليات الوزارية والسامية لتكون مشاركتهم في التنمية أوسع.