يعد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 إطارا سياسيا واقعيا وذي مصداقية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وهو في جوهره امتداد لمسار الجهوية الموسعة الذي اختارته المملكة كخيار استراتيجي لتعزيز الديمقراطية المحلية والتنمية المستدامة. فالمغرب ليس في حاجة إلى إثبات سيادته على أقاليمه الجنوبية، بل إن هذا النزاع لا يعدو كونه صراعا مفتعلا تجاوزه الواقع الميداني، والمؤسساتي، والدستوري.
بحيث أقر دستور 2011 الجهوية الموسعة كنموذج متقدم في تدبير الشأن المحلي، حيث تم توسيع اختصاصات الجهات، ومنحها استقلالا إداريا وماليا، مع دعمها بميزانيات ضخمة مخصصة لتنزيل برامج التنمية الجهوية. وتعتبر هذه الجهوية امتدادا عمليا لمقترح الحكم الذاتي، إذ تمنح للجهات القدرة على تدبير قضاياها التنموية والاقتصادية والاجتماعية، ضمن إطار الوحدة الوطنية والسيادة المغربية الكاملة.
لم تدخر الدولة جهدا في ضخ الاستثمارات الكبرى في مختلف الجهات، عبر تمويلات مباشرة أو عبر برامج ملكية مهيكلة مثل برنامج “تنمية الأقاليم الجنوبية” الذي خصص له غلاف مالي فاق 77 مليار درهم، ومشروع “الجهوية المتقدمة” الذي يكرس العدالة المجالية. ففي جهة الداخلة – وادي الذهب، تم رصد ميزانيات ضخمة لتنفيذ مشاريع في البنيات التحتية، الصحة، التعليم، الطاقة المتجددة، الاقتصاد الأزرق، وتثمين الموارد البحرية.ورغم الجهود المبذولة ، إلا أن مردودية هذه الاستثمارات لا تزال دون المستوى المطلوب، خاصة في جهة الداخلة – وادي الذهب، حيث يطرح سؤال الحوكمة والنجاعة في تدبير المال العام. فالتنمية الحقيقية لا تتحقق فقط بضخ الأموال، بل بتفعيل المخططات الجهوية بشكل شفاف ومسؤول، وبربط المسؤولية بالمحاسبة، وتنزيل المشاريع الملكية على أرض الواقع بعيدا عن منطق الريع أو الاستفادة الذاتية. ففرق كبير بين مشاريع ملكية وبرامج تم برمجتها لاتخدم الجهة او الساكنة.
_ ان الخطابات الملكية مرآة للرؤية التنموية
لطالما أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وايده في خطاباته السامية على ضرورة التفعيل الجيد للنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وعلى التزام الدولة بمواكبة الجهات، مشددا في خطاب 6 نوفمبر 2015 بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء:
“نؤكد التزامنا بجعل الأقاليم الجنوبية قطبًا اقتصاديًا وواجهة للمغرب نحو إفريقيا”.
كما جاء في خطاب العرش لسنة 2019:
“الجهوية المتقدمة تبقى المدخل الحقيقي للتنمية المتوازنة، وللاستجابة للحاجيات الفعلية للمواطنين” واخيرا
فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ليس فقط مبادرة سياسية لحل النزاع المفتعل، بل هو خيار مؤسساتي وتنموي يتم تفعيله فعليا في إطار الجهوية الموسعة. غير أن التحدي يكمن في الانتقال من منطق البرمجة إلى منطق التفعيل، ومن منطق الخطط إلى منطق الأثر الملموس في حياة المواطنين، خصوصا في الجهات التي تستفيد من دعم كبير كجهة الداخلة – وادي الذهب. فالأموال العمومية هي أمانة يجب توظيفها لخدمة الصالح العام، وتحقيق الكرامة، والعدالة، والتنمية المتوازنة. لا للتنمية الذاتية